بكر الشدي: الصوت المتجدد في الفن السعودي
كان بكر الشدي على أعتاب النجاح، يسعى نحو أن يكون تلك النبرة التي تعيد للفن السعودي جماله ورونقه الإنساني، غير أن الأقدار حالت دون ذلك في اللحظة التي كان العالم يستعد للاستماع إليه. لم يكن الشدي مجرد فنان يمر مرور الكرام على خشبة المسرح، بل كان فكرة نابضة تجسدت على المسرح، معبّرة عن قناعاته بأن الفن هو وعي شامل للحياة، وليس مجرد ممارسة تمثيلية.
عبقري الفن المسرحي السعودي
وُلد الشدي في بقيق عام 1959، حيث كانت ملامح المثقف تسطع في شخصيته أكثر من كونه ممثلاً فقط. درس الأدب الإنجليزي حتى حصل على درجة الماجستير من جامعة الملك سعود، مما جعله من أوائل الأفراد الذين استطاعوا الجمع بين الفن والدراسة الأكاديمية. ومن هنا، انطلق إلى خشبة المسرح بحماس المعلم والمفكر، حيث كان يؤمن بأن المسرح ليس مجرد مكان للعرض، بل مرآة تعكس صورة المجتمع بلغة الفن والإضاءة.
في مسرحياته الخالدة مثل “تحت الكراسي” و”البيت الكبير” و”قطار الحظ”، كان الشدي يتعمق في النصوص، ويستعرض الواقع بطريقة مدروسة، معززًا أفكاره العميقة ليحول كل مشهد إلى لحظة وعي جديدة. وعندما انتقل إلى عالم الدراما التلفزيونية، أضاف أبعادًا جديدة لأعمال مثل “طاش ما طاش” و”عائلة أبو كلش”، مع المحافظة على روح الهدوء وابتسامة تعكس ثقافة واسعة ورؤية إنسانية عميقة.
تربع الشدي في قلوب زملائه وكان قريبًا من الإعلاميين والمثقفين، حيث كان يتحدث عن الفن كرسالة والمسرح كمسؤولية. لم يعتبر التمثيل مجرد مهنة، بل كان يعتبره طريقة للتفكير وأسلوب للحياة. ورغم مرضه الذي لاحقه في سنواته الأخيرة، بقي ثابتًا، وكأنما كان يكتب المشهد الأخير بصمت دون أن يتفوه بكلمة.
توفي بكر الشدي عام 2003، قبل أن يُكمل رسالته التي بدأها، مما أفقد المسرح السعودي واحدًا من أكثر مبدعيه وعيًا وتألقًا. ومع مرور 22 عامًا على رحيله، لا يزال اسمه يتلألأ كوميض لم ينطفئ، وتستمر أعماله في تذكيرنا بأن تأثير الفن لا يُقاس بطول بقائه، بل بعمق أثره. رحل بكر الشدي، ولكن المسرح كان ولا يزال في انتظاره، حيث تهمس كل ستارة تُسدل باسمه قبل أن تُطفأ الأضواء.