
إذا ذُكِر عِلم الجغرافيا أمام الناس وخاصةً طلاب المدارس؛ فسيتأتى إلى أذهانهم الصورة النمطية عن الجغرافيا بوصفها «تضاريسًا وخرائط، وخطوط طول ودوائر عرض»، حتى جاء الأكاديمي المصري الدكتور جمال حمدان.
كانت للدكتور حمدان له اليد العُليا في تغير هذه الصورة النمطية، عن طريق مؤلفاته ونظرياته صاحبة الرؤية الفلسفية، التي حاكها حول الجغرافيا؛ وأعطت نتائج مغايرة للمألوف، نراها الآن ونتعايشُ معها في وقتنا الحاضر.
النشأة
ولد جمال محمود صالح حمدان، لأسرة ميسورة الحال، في 4 فبراير عام 1929، في قرية «ناي» بمحافظة القليوبية، وهو الابن الثالث تقريبـًا لخمسة إخوة، تعلم الخط العربي على يد أبيه، ثم تعلم رسم الخرائط، وامتاز بالفطنة والنباهة، كان ترتيبه السادس على مصر عندما كان في المرحلة الثانوية.
من كلية الآداب إلى جامعة ريدنج
التحق بكلية الآداب قسم الجغرافيا بجامعة الملك فؤاد -القاهرة حاليـًا- عام 1946 حائزًا أعلى الدرجات طيلة سنواته في الجامعة؛ حتى ابتُعِث للدراسة في إنجلترا بجامعة «ريدنج»، وحينما قدم رسالته لنيل درجة الماجستير، أعجب الأساتذة المسؤولون بموضوع الرسالة والتي تدور حول «فلسفة الجغرافيا» فأعطوه بها درجة الدكتوراة مباشرةً.
لماذا استقال حمدان من عمله الأكاديمي؟
عمل جمال حمدان معيدًا ثم مدرسـًا بكلية الآداب، وكان دائم البحث والمطالعة في تخصصه الجغرافي، لم ينظر للجغرافيا بوصفها خطوط الطول ودوائر العرض بل تجاوز كل هذا فربطها بالفلسفة والتاريخ والإنسان عامةً، وحاك حولها نظرياته وآراءه الفلسفية، ورغمـًا عن كل ما قدمه حمدان من جدٍ واجتهادٍ في عمله الأكاديمي والبحثي، فإن ترقيته تأخرت كثيرًا، وحصل عليها زملاء له أقل منه في الخبرة؛ مما أدى به في نهاية المطاف إلى الاستقالة سنة 1963، متفرغـًا للكتابة والقراءة والبحث والمطالعة.
مدنية الريف مقابل الردة عن المدنية.. كيف تنبأ حمدان
كان حضور حمدان على الساحة العلمية طاغيـًا، فلم يكن يتحدث إلا بما يدركه على المستوى النظري والتطبيقي، ففي ستينيات القرن الماضي وحينما كانت القاهرة لا تتجاوز الخمسة ملايين نسمة، تنبئ حمدان بنزوح أهل الريف إلى القاهرة، من أجل العمل أو الاستقرار، ورأى أن هذا سيُحدث خللًا في البناء الاجتماعي للسكان المصريين، وطالب بأن تُنقل القاهرة إلى الريف، لا أن يهجرها سكانها.
عبقرية مصر.. الجغرافيا التقدمية في فكر حمدان
يعد كتاب «شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان» أحد أهم الكتب التي ألفها الدكتور جمال حمدان في تاريخ الثقافة المصرية والعربية، فهو لا يتناول عِلم الجغرافيا بالطريقة المدرسية التي تقاصر على الخرائط والحدود، بل يعتبر الجغرافيا مدخلًا لدراسة التاريخ والفلسفة والسياسة، وغاية لفهم السكن.
ولهذا سمى كتابه «عبقرية المكان»، يقول في مقدمة الكتاب: «إن تكون الجغرافيا في الاتجاه السائد بين المدارس المعاصرة هي التباين الأرضي، أي التعرف على الاختلافات الرئيسية بين أجزاء الأرض على مختلف المستويات، فمن الطبيعي أن تكون الجغرافيا هي التعرف على شخصيات الأقاليم».
ويكمل: «وإذا كان الإقليم بهذا التعريف هو قلب الجغرافيا فمن المنطقي أن تكون الشخصية الإقليمية هي قلب الإقليم، ومن ثم بيقين، أعلى مراحل الفكر الجغرافي»، بهذا يكسر جمال حمدان السائد والروتيني عن عِلم الجغرافيا، وينقله إلى موضعٍ آخر، وبرؤية جديدة لا تُنسب إلا إليه.
وصدر هذا الكتاب لأول مرة عام 1967 في نسخة مُبسطة من القطع الصغير لا تتجاوز 300 صفحة، وخرجت إلى النور في طبعتها الكاملة: المزيدة والمنقحة، في أربع مجلدات بين عام 1981 و1984.
جعلته راهبًا.. ما هي الكلمة التي اعتزل حمدان بسببها النساء
عُرِفَ عن جمال حمدان أنه لم يتزوج، ويرجع هذا إلى السنوات الخمس التي قضاها للدراسة في إنجلترا، حيث تعرف هناك على فتاة أحبها وطلب منها الزواج، وأضاف أنه يريدها أن تسافر معه إلى القاهرة، إلا أنها قالت له: «لا».
وطلبت منه أن يذهب هو أولًا، وهي ستلحق به في وقتٍ قريب، ولما عاد إلى القاهرة بقى يراسلها باستمرارٍ، وبقت هي تراوغه، حتى يأس من التلاعب بمشاعره، ووجد أن حياته العلمية، أهم من الحب؛ فغض بصره عن فكرة الزواج، وعاش راهبًا في محرابٍ من صنع يديه.
رحيل بعد مسيرة طويلة من الإبداع
تُوفي الدكتور جمال حمدان يوم 17 إبريل عام 1993، عن عمر ناهز ٦٥ عامـًا، حيث وجد ملقـًا على الأرض، إثر حريق شبّ في منزله ولكن لم يمسه بسوء.
كتب جمال حمدان نحو 29 كتابـًا و79 بحثـًا ومقالة، ومن أبرز مؤلفاته:
1. القاهرة.
2. شخصية مصر.
3. اليهود أنثروبولوجيًّا.
4. نحن وأبعادنا الأربعة.
5. سيناء.
6. فلسطين أولًا.. إسرائيل.
7. المدينة العربية.
8. العالم الإسلامي المعاصر.
9. أفريقيا الجديدة.
تكريمات جمال حمدان
1. حصل على جائز الدولة التشجيعية في الاجتماعية سنة 1959.
2. حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1986.
3. حصل على وسام العلوم من الطبقة الأولى عن كتاب «شخصية مصر» عام 1988.
4. حصل على وسام التقدم العلمي من الكويت 1992.
5. وكان آخر تكريم له بعد وفاته حيث كان شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2020.