بغداد في عزلة إقليمية: العراق يتراجع إلى ‘الهامش’ في معادلات الشرق الأوسط الحديثة

بغداد في عزلة إقليمية: العراق يتراجع إلى ‘الهامش’ في معادلات الشرق الأوسط الحديثة

التراجع الإقليمي للعراق

تشهد الساحة الإقليمية للعراق تراجعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، بالرغم من مكانته التاريخية والسياسية التي تمنحه القدرة على أن يكون أحد أبرز الفاعلين في إدارة القضايا الملحة في الشرق الأوسط.

الضعف في الدور الإقليمي

يُبين المختص في الشؤون السياسية حسين الأسعد أن هذا التراجع لا ينجم عن ضعف في إمكانات العراق، بل يعكس عدم الإنصاف في التعامل العربي مع الدور المحوري للعراق. وصرح الأسعد في حديثٍ له، بأن العراق يتعرض لتجاهل واضح في معظم الملفات المتعلقة بإدارة الشؤون العربية، رغم كونه يتمتع بثقل سياسي واستراتيجي وتاريخ طويل في دعم الاستقرار الإقليمي. وأكد أن هذا التهميش يتعارض مع الحقائق الجغرافية السياسية والدور التاريخي لبغداد في الحفاظ على توازن المنطقة.

تشير الدراسات التي أصدرتها مراكز بحثية دولية إلى أن العراق يقع في موقع جيوسياسي معقد، بين محورين متعارضين: الأول هو النفوذ الإيراني المتزايد، والثاني هو التكتل العربي الذي يتجنب منح بغداد أي دور قيادي. ويؤكد الأسعد أن إدارة الملفات الحساسة، بما في ذلك الأمن والاقتصاد والدبلوماسية، تُدار دون إشراك العراق بشكل فعّال، كما لو كان خارج دوائر صنع القرار العربي، ما يعكس تجاهلًا لدوره الحيوي في تحقيق التوازن، خاصة في ظل التوترات السياسية بين الدول المجاورة.

يُحاجج المحللون بأن العراق فقد جزءًا كبيرًا من تأثيره في المشهد الإقليمي بسبب الانقسامات الداخلية وعدم استقرار القرارات المؤسسية، مما جعل صوته محدودًا في الحوارات الإقليمية. فالتنازع بين القوى الحزبية داخل النظام السياسي أضعف قدرة البلاد على صياغة سياسة خارجية موحدة.

يضيف الأسعد أن العراق قدم مبادرات بناءة للحوار والتقارب بين دول الجوار، وساهم في تمهيد الطرق للتواصل بين الأطراف المتنازعة، لكن هذه الجهود لم تجد الاعتراف أو التقدير من بعض العواصم العربية. وتشير التقارير إلى أن مثل هذه المبادرات، بما في ذلك قمة بغداد للتعاون والشراكة، كانت محاولات عراقية لإعادة بناء دوره كوسيط عربي، لكنها واجهت تباينات في المواقف الخليجية وتردد بعض الدول العربية بشأن منح بغداد موقع القيادة.

تشمل الأسباب التي جعلت العراق يبدو متفرجًا في كثير من القضايا الإقليمية تداخل المصالح الإقليمية والدولية، وضعف أداء المؤسسات الدبلوماسية، وغياب التنسيق بين ملفات السياسة والأمن والاقتصاد. ولا تزال بعض القوى الدولية تنظر إلى العراق من زاوية أمنية، مما يقلل من تأثيره في صناعة القرارات الإقليمية الكبرى.

يؤكد الأسعد أن تهميش العراق في الحلول الإقليمية الكبرى يعد خطأً استراتيجياً، حيث يُضعف الموقف العربي ويؤثر سلبًا على توازن المنطقة. يمتلك العراق القدرة على لعب دور الجسر بين الأطراف المتنازعة بفضل علاقاته المتوازنة مع إيران ودول الخليج وتركيا وسوريا.

يُظهر بعض الدراسات أن العراق لا يزال يحتفظ بأدوات مهمة في مجالات الطاقة والوساطة، ولكنه يحتاج إلى استراتيجية وطنية جديدة لتوحيد الخطاب السياسي واستعادة الثقة الإقليمية. وختم الأسعد كلامه بأن العراق يجب أن يستعيد مكانته كفاعل محوري في العالم العربي، وليس كدولة هامشية تُستدعى عند الحاجة فقط. إعادة تقييم طريقة التعامل العربي مع العراق تُعد ضرورة استراتيجية لتحقيق الشراكة والتكامل، لأن أي استقرار في الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحقق دون دور فعال لبغداد في معادلة القرار. يرى المراقبون أن تحقيق إعادة تموضع العراق يتطلب توحيد القرار السياسي الداخلي وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية وبناء تحالفات تحقق مصالحه الوطنية، مما يمكّنه من أن يكون صانع توازن لا تابعًا لأي محور في المستقبل.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *