
الجمعة والسبت 25 – 26 ربيع الآخر 1447هـ 17 – 18 أكتوبر 2025م
استقطاب 2500 باحث وأستاذ جامعي متميز خلال ثلاث سنوات
نقل المعرفة من الخبرات الدولية إلى العقول الوطنية
1200 مشروع مع جامعات عالمية في الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي والفضاء.
في إطار رؤية 2030 الطموحة، تسعى المملكة العربية السعودية إلى تنفيذ جهود وطنية واسعة لاستقطاب العقول والخبرات القيمة في مجالات العلوم، التكنولوجيا، والفنون، حيث تدرك المملكة أن الإنسان هو محور أي نهضة، لذلك يُعتبر استثمار العقول ركيزة أساسية لبناء مجتمع مستدام يقوم على المعرفة، إذ يمثل رأس المال البشري الثروة الحقيقية التي تسهم في بناء الأمم، مما يجعل تطوير الإنسان السبيل إلى تحقيق تنمية متوازنة، ومن ثم، أطلقت المملكة عدة مبادرات، مثل برنامج استقطاب الكفاءات النوعية من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ومبادرات هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار، بغرض جذب العلماء والباحثين من جميع أنحاء العالم للعمل في الجامعات ومراكز الأبحاث السعودية.
أظهرت تقارير وزارة التعليم لعام 2025 نجاح الجامعات السعودية في استقطاب أكثر من 2500 باحث وأستاذ جامعي متميز خلال السنوات الثلاث الماضية، إلى جانب تجاوز عدد المشاريع البحثية المشتركة مع جامعات عالمية مارموقة 1200 مشروع، تشمل مجالات الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والطب الحيوي، والفضاء، مما يدعم توجه المملكة نحو التحويل إلى مجتمع معرفي منفتح على العالم، يستند إلى تبادل الخبرات ونقل المعرفة، مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية والقيم الوطنية.
تصنيفات عالمية
أسهمت برامج مثل الابتعاث النوعي، والمراكز البحثية المشتركة، ومبادرات الجامعات الذكية في تعزيز مستوى الكفاءات الوطنية، مما أدى إلى ارتفاع تصنيف الجامعات السعودية عالميًا، ودخولها في قائمة أفضل 200 جامعة وفق تصنيف “QS” لعام 2025، إذ يُعتبر هذا الانفتاح خطوة استراتيجية لبناء اقتصاد متنوع قائم على المعرفة، حيث حققت الأنشطة المعرفية والتقنية نسبة 12% من الناتج المحلي الإجمالي، مع توقعات بارتفاع هذه النسبة إلى 20% بحلول عام 2030، وفق تقارير وزارة الاقتصاد والتخطيط.
رغم هذا الانفتاح، تواصل المملكة دعواتها للحفاظ على الهوية الوطنية كإطار توجه لحركة التقدم العلمي والتقني، عبر تعزيز القيم الثقافية، واللغة العربية، والهوية الإسلامية في كل ما يُنتَج من فكر أو علم أو محتوى معرفي، تلعب مبادرات مثل مركز الملك سلمان للهوية الوطنية، والهيئة السعودية للثقافة، وهيئة الأدب والنشر والترجمة دورًا محوريًا في حماية الهوية الوطنية، من خلال دمج قيم الانتماء بالثقافة السعودية في المناهج التعليمية، والمشاريع البحثية، والمحتوى الإعلامي والثقافي.
يمتاز النموذج السعودي في استقطاب العقول بقدرته على تحقيق توازن دقيق بين الأصالة والمعاصرة، فهو انفتاح مصحوب بالوعي، يستفيد من العقول العالمية دون الذوبان في ثقافتها، ويقدم بيئة حاضنة للإبداع والتطوير للكفاءات الوطنية، أصبحت المملكة وجهة مفضلة للباحثين والعلماء والمبتكرين، بفضل ما تقدمه من فرص تمويلية وبرامج دعم، مثل مركز الابتكار وريادة الأعمال بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) الذي يستقطب مئات العقول من أكثر من 40 دولة للعمل في بيئة سعودية ذات هوية عالمية، إن استقطاب العقول بالمملكة ليس هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لتحقيق التنمية الشاملة، إذ يعتمد المجتمع المعرفي المستدام على الفكر والإبداع، ويعزز الوعي بالانفتاح المسؤول، ليقدم للعالم معرفة سعودية متميزة بهويتها وقيمها.
وطن طموح
تتتابع جهود المملكة عبر برامج مثل رؤية السعودية 2030، والاستراتيجية الوطنية لتنمية القدرات البشرية، ومبادرة البحث والتطوير والابتكار 2040، لضمان أن تكون العقول المستقطبة والمواهب الوطنية رافعة أساسية لبناء وطن طموح ومجتمع يفخر بهويته وينفتح على العالم من خلال إبداعه، تنتج برامج تنمية القدرات البشرية والتعليم، والمهارات الرقمية قاعدة واسعة من الكفاءات السعودية، وتتوسع فيها فرص التدريب، والابتعاث، والتوظيف النوعي، ما يعكس انخفاض البطالة، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل.
يساهم نمو منظومة ريادة الأعمال في خلق فرص واسعة لتمكين المواهب وتحويلها إلى شركات ومنتجات، بينما تعزز مؤشرات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي رأس المال المعرفي وقدرة المملكة التنافسية، ينشر برنامج تنمية القدرات البشرية تقاريره السنوية، ويظهر تقدمًا في التوسع التعليمي والتدريب، مع مبادرات لتعزيز الجودة والمواءمة مع سوق العمل، إضافة إلى تحديث المناهج المستقبلية، مع إدخال منهج الذكاء الاصطناعي لطلاب التعليم العام ابتداءً من العام الدراسي 2025/2026، ليغطي أكثر من ستة ملايين طالب، ضمن مستهدفات رؤية 2030، أسهم الابتعاث النوعي عبر مسارات برنامج خادم الحرمين الشريفين، مع توسيع التخصصات مثل مسارات الفضاء، في بناء مهارات دقيقة تخدم القطاعات ذات الأولوية.
في قلب التحول الوطني، تتجه الجهود نحو بناء مهارات دقيقة تتوافق مع القطاعات ذات الأولوية مثل الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والصناعة، والسياحة، والثقافة، تتكامل هذه الخطوات مع برنامج تنمية القدرات البشرية ومبادرات هيئة البحث والتطوير والابتكار، التي تربط بين الجامعات والشركات، وتوفر بيئة تدريبية في المصانع والمختبرات ومراكز التقنية، بهذا النهج، تُبنى الكفاءات على التطبيق وليس على التلقين، وتتحول المعرفة إلى إنتاج، ليصبح الشاب السعودي محورًا فعالًا في اقتصاد متنوع، ووطن طموح يفتح أبوابه للمستقبل بعقول أبنائه.
انخفاض البطالة
تسارعت الجهود نحو تطوير القدرات المعرفية والرقمية لتهيئة الخريجين السعوديين لقطاعات الاقتصاد الجديد مثل الذكاء الاصطناعي، والتقنيات المتقدمة، والصناعات الإبداعية، سجل إجمالي البطالة في الربع الأول 2025 نحو 2.8%، مع ارتفاع مشاركة النساء إلى 36.3%، وانخفاض بطالتهن إلى 10.5%، بينما بلغت بطالة السعوديين الذكور 4%، وارتفع معدل المشاركة للذكور إلى 66.4%، سجلت نسبة البطالة استمرارًا في الانخفاض في الربع الثاني من 2024 إلى 7.1%، وفقًا لمصادر رسمية، مما يعكس توطين نوعية ورؤية فرص مميزة في القطاع الخاص، تشیر المؤشرات إلى الانتقال من خلق الوظائف إلى تحسين نوعية الوظائف، ودمج النساء والشباب بشكل أكثر فعالية.
تظهر تقارير «منشآت» حيوية منظومة ريادة الأعمال وتوسع الخدمات المساندة، وفق تقرير رسمي رُفع في سبتمبر 2025، سجلت المملكة نحو 80 ألف سجل تجاري جديد للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في الربع الثاني 2025، ليصل الإجمالي إلى نحو 1.7 مليون منشأة، مع نشاط تمويلي قوي للشركات الناشئة، مما يعزز فرص توظيف المواهب السعودية كرواد أعمال أو كفاءات تقود النمو في القطاع الخاص، تستمر الجامعات السعودية في التقدم عالميًا، حيث حصلت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن على المرتبة 67 عالميًا، وتقدمت جامعات سعودية أخرى ضمن أفضل 200-300 جامعة، في تصنيف QS للمنطقة العربية 2025، حافظت جامعة الملك فهد على صدارتها، وتقدمت جامعات سعودية أخرى مثل جامعة الملك سعود.
استثمار بحثي
تستهدف أجندة RDI الوطنية رفع الإنفاق على البحث والتطوير إلى 2.5% من الناتج المحلي بحلول عام 2040، وخلق مئات الآلاف من الوظائف المعرفية، تسهم تراتب الجامعات ومضاعفة الاستثمار البحثي في تعزيز المحتوى العلمي السعودي وجذب الشراكات والمختبرات الدولية إلى داخل المملكة، حقق الاقتصاد الرقمي 15.6% من الناتج المحلي وفق بيانات 2023، مع إيرادات تشغيلية لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات بلغت نحو 236.4 مليار ريال، في حين تُعتبر الجاهزية الرقمية الحكومية مؤشرات إيجابية، شهدت المملكة تقدمًا في مؤشرات الأمم المتحدة، وحققت مراكز عالمية متقدمة في مؤشر الخدمات الرقمية، حسب تقارير رسمية.
فيما يتعلق بمكانة الذكاء الاصطناعي، ارتفعت المملكة إلى المرتبة 14 عالميًا والأولى إقليمياً في مؤشرات الذكاء الاصطناعي، وفقًا لـ “سدايا”، يعزز هذا التحول الطلب على المهارات الرقمية للسعوديين، ويمنحها أفضلية في سوق العمل وريادة الأعمال، في مجال الصناعات الإبداعية والهوية الوطنية، يشير تقرير حالة الثقافة 2024 لوزارة الثقافة إلى توسع البرامج الثقافية ونمو حركة الترجمة (743 كتابًا في 2024، بزيادة 25% عن 2023، ضمن مبادرة “ترجم”)، تسلط العوامل التنظيمية الضوء على الأثر الاقتصادي والاجتماعي لتعزيز المواهب في الثقافة والإبداع، مما يساعد على حفظ الهوية السعودية وتقديمها للعالم بمنتج ثقافي تنافسي.
تظهر البيانات أن المواهب الوطنية أصبحت ركيزة حيوية في جميع حلقات السلسلة القيمية، بدءًا من التعليم والابتكار، وصولًا إلى الريادة والتوظيف، ومن التحول الرقمي إلى الصناعات الإبداعية التي تعكس الهوية، يمثل هذا التمازج بين الانفتاح المعرفي والاعتزاز بالهوية ميزة تنافسية مستدامة، ويجعل المواهب السعودية رافعة أساسية لبناء وطن طموح يفتح أبوابه للعالم من خلال إبداعه.
استقطابات عالمية
في مجال الجامعات، وملاعب الرياضة، ومشاريع التنمية الحضارية، تُروى قصص استقطاب العقول لتكون جزءًا من مشهد التحول الوطني بالمملكة، فكل إعلان عن استقطاب شخصية عالمية أو رياضي بارز يُعتبر تعبيرًا عن القدرات والطموحات التي تسعى المملكة من خلالها للاستفادة من الخبرات لبناء مستقبلٍ أفضل، في أغسطس 2024، كانت الأخبار متصدرة بإعلان جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) تعيين البروفسور سير إدوارد بيرن رئيسًا جديدًا لها، حيث سبق له ترؤس جامعات مرموقة مثل King’s College London، مما يسهم في دفع “استراتيجية تسريع الأثر” في المشاريع الوطنية.
يأتي هذا الاستقطاب في إطار رؤية تهدف إلى عدم حصر الكفاءة على الداخل، بل إدخال رؤى عالمية تعمق البحث العلمي في مشاريع استراتيجية مثل الطاقة، والبيئة، والتقنيات الناشئة، في عالم الرياضة، تلفت الصفقات الضخمة أنظار الجماهير، لكن خلفها استراتيجيات تهدف إلى بناء صورة وطنية تنافسية، مثل انتقال اللاعب كريستيانو رونالدو إلى نادي النصر في ديسمبر 2022، مما ساهم في جذب الانتباه العالمي للمملكة، في صيف 2023، وقع نيمار جونيور عقدًا مع الهلال لمدة عامين، وفقًا لتقارير إعلامية، بقيمة قياسية تقدر بحوالي 90 مليون يورو، حيث أشار نيمار في مقابلة عقب التعاقد إلى أن رونالدو كان “محرّكاً للتغيير في الدوري السعودي”، كما انتقل كريم بنزيما إلى نادي الاتحاد في إطار تعزيز مستوى الدوري السعودي بضم لاعبين من أندية أوروبية بارزة، تُعدّ هذه التحركات الرياضية أدوات ضمن استراتيجية إعلامية تجعل من المملكة ملعبًا يجمع نجوم الكرة في الشرق الأوسط.
خبرات تنفيذية
في سياق تعزيز الصرح العلمي، تتجلى أمثلة وطنية مثل الدكتور محمد آل هيازع، الكيميائي والأكاديمي، الذي يرأس جامعة “ألفيسال” ويشغل عضوية مجلس إدارة جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، مما يعكس دورًا محوريًا في التنسيق بين المؤسسات الأكاديمية والرؤية الوطنية، يعتبر تعيين فهد الرشيد مستشارًا في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، حيث يمتلك خبرة تنفيذية كبيرة في المشاريع الحضرية، إشارة إلى أهمية دمج التفكير الإداري والعلمي والوطني، كل تعيين وصفقة ترسل رسالة مزدوجة: تعزيز القدرة المحلية، واستقطاب الخبرات العالمية لتكمل الكفاءات المحلية دون أن تكون بديلًا لها.
وجود أسماء ذات وزن دولي يمنح المؤسسات السعودية مرجعية عالمية، ويعزز شبكة علاقات تمتد عبر الحدود، مع تسريع التأثير، فالأكاديميون ذووا الخبرات لا يأتون فقط للإدارة، بل لتحويل الأبحاث إلى مشاريع ذات قيمة اقتصادية محلية، يبقى بناء الهوية من الداخل مهمًا، فحين يُعلن عن استقطاب شخصية عالمية لاختيارها المملكة، تشكل ذلك رسالة تعكس ثقة المكان وقدرته على استقبال العقول لتحقيق المنافسة والإبداع.