قراءة في أسباب رفض البعض في الغرب لصفقة الاستحواذ السعودي على EA | ج 3

قراءة في أسباب رفض البعض في الغرب لصفقة الاستحواذ السعودي على EA | ج 3

في الجزء الأول من هذا المقال تطرقنا للحديث عن أسباب رفض البعض في الغرب لصفقة الاستحواذ على شركة EA من قبل صندوق الاستثمارات السعودي وشركاء آخرين، وفي الجزء الثاني تحدثت بالتفصيل ما هي الإيجابيات والسلبيات المحتملة لصفقة الاستحواذ هذه. والآن سنختم بنقاش إن كانت هذه المخاوف مبررة أم لا مع عكس الأمر على تجربة شراء شركة SNK من قبل الصندوق السعودي.

هل هذه المخاوف مبررة؟

من منظور اقتصادي، الصفقة تمثل فرصة ضخمة لـ EA لتوسيع نطاقها العالمي، خاصة في الأسواق الناشئة. ومن منظور استراتيجي، تعكس رغبة المملكة في تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، عبر الاستثمار في قطاعات المستقبل مثل الألعاب والذكاء الاصطناعي.

ias

لكن من منظور ثقافي وسياسي، فإن المخاوف الغربية تعكس توترًا أعمق بين قيم حرية التعبير الغربية والنموذج المحافظ الذي تمثله السعودية. السؤال الحقيقي هو: هل يمكن لصناعة الألعاب أن تكون مساحة مشتركة تتجاوز هذه التوترات، أم أن الملكية ستفرض قيودًا جديدة؟

SNK

التجربة السابقة مع SNK

استحواذ صندوق الاستثمارات السعودي على SNK عام 2022 أثبت أن هذه المخاوف ليست بالضرورة واقعية. فقد شهدت SNK تطورًا ملحوظًا، مع إطلاق ألعاب جديدة مثل The King of Fighters XV وFatal Fury: City of the Wolves، دون أي تدخل في المحتوى أو تقييد للإبداع. بل إن الشركة افتتحت فرعًا في سنغافورة لتوسيع حضورها في آسيا، مما يدل على توجه عالمي واستثماري حقيقي.

تُعد تجربة صندوق الاستثمارات العامة مع شركة SNK اليابانية محطة تحليلية ضرورية لاستشراف ما قد يحدث داخل EA بعد الاستحواذ السعودي. في عام 2022، استحوذ الصندوق على نسبة تفوق 96% من SNK، ما حول الشركة إلى كيان شبه خاص سعودي–ياباني.

ماذا حدث فعلاً داخل SNK؟

  • الاستقلال الإبداعي مرحب به: أكّد منتجو SNK أكثر من مرة أن الصندوق لم يمارس أي نوع من التدخل في تصميم أو محتوى الألعاب. صرح “ياسويكي أودا” (منتج سلسلة King of Fighters):

الأمر لم يكن مجرّد شراء أسهم، بل دعم طويل المدى منحنا الاستقلال الكامل في الإبداع. لو أردنا وضع شخصية LGBTQ+ أو ممارسات ثقافية غربية، لدينا الحرية الكاملة“.

  • نجاح مالي وتوسع عالمي: مكّن الدعم المالي الجديد SNK من إطلاق مشاريع لم تكن ممكنة سابقًا، منها فتح استوديو KOF Studio في اليابان وتأسيس فرع جديد في سنغافورة.
  • لم تتغير السياسة العامة للمنتجات: أي لم تؤثر الخلفية الثقافية أو السياسية للمالكين على أداء أو توجهات الشركة حتى تاريخه، ولم تشهد ألعاب SNK أية رقابة أو تحجيم (بما في ذلك شخصيات الجندر المثلي أو عناصر الثقافة الغربية).

نقاط الشبه والاختلاف مع عملية EA:

عنصر المقارنة SNK تحت PIF EA تحت PIF (متوقع)
التدخل في المحتوى لم يحدث تدخل في سياسات التطوير يخضع للمتابعة، الشكوك أعلى بسبب طبيعة العناوين
دعم الاستوديوهات تضاعفت ميزانيات التطوير، توسع في الفروع متوقع تحسين البنية واستقطاب مطورين جدد
سوق التوزيع توسع في آسيا وجنوب شرقها التوقع استهداف الأسواق النامية مثل الشرق الأوسط أكثر
التسويق زاد تركيز العلامة التجارية عالميًا احتمال إعادة بناء العلامة EA بعد سنوات من تراجع الصيت
التغيير الثقافي لم يحصل حتى اللحظة الشكوك أكبر بسبب حساسية الامتيازات الرياضية–الثقافية

توازن التحليل: هل الاستحواذ نقطة انعطاف أم مجرد نقل ملكية؟

استنادًا إلى ما سبق، يُعد استحواذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على EA منعطفًا تاريخيًا بمعايير صناعة الترفيه التفاعلي، وليس مجرد تحول في دفتر الأسهم. تحمل الصفقة في طياتها وعودًا بتحرير الإبداع من سندان الضغوط الفصلية، ودعمًا ماليًا هائلًا لاستعادة أمجاد سلاسل الألعاب الكلاسيكية، وتعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي وعالمي لصناعة الألعاب الرقمية.

عن الجانب الآخر من الطاولة، يتبدى شبح القلق الغربي، بين هواجس التسييس، ومخاوف التغيير القيمي، والشكوك حول تداعيات الديون ورفع مستوى الاستغلال التجاري. حتى أن جزءًا من اللاعبين أنفسهم يتساءلون عن جدوى الرهان على وعود “مال متحرر من المستثمرين” في وسط صناعة يشهد تركيزًا غير مسبوق للملكية بين قوى سيادية عابرة للحدود (حكومات، وأذرع سياسية دولية).

ربما يكون الصندوق السعودي في مرحلة بناء لاختبار نموذج جديد – يوازن بين دعم الموهبة، وتعظيم الربحية، وبناء أسس نفوذ دولي في قطاع يتحول بشكل متسارع. ويبقى الاختبار الحقيقي مرهونًا بمدى النجاح في تحقيق وعد التحرر الإبداعي، واسترضاء اللاعبين حول العالم، ومجاراة التحديات التنظيمية والانفتاح الثقافي دون الوقوع في فخ التدخل السياسي أو المبالغة في المونيتايزيشن.

الخاتمة

الاستحواذ السعودي على EA ليس مجرد حدث مالي عابر، وإنما صفقة تشعل معركة كبرى على هوية قطاع الألعاب الترفيهية في القرن الـ21: بين شرق نامٍ يتطلع لصياغة دور ثقافي عالمي، وغرب يتحسس من فقدان رموزه التقنية وأسلوب حياته الرقمي لصالح مال سيادي وافد. التحدي الأكبر للصندوق السعودي وEA معًا هو بناء نموذج يُترجم وعود الجودة والحرية الإبداعية إلى واقع محسوس، وسط كوكبة من الآراء المتفاوتة والمصالح المتداخلة.

في النهاية، وحده الزمن – ورد فعل اللاعبين والأسواق – كفيل بالكشف عن حقيقة التحولات التي ستلي هذا الاستحواذ التاريخي.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *