أزمة خدمات الكهرباء في العراق
تعد مسألة توفير الكهرباء في العراق واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا التي تواجه القطاع العام، حيث استنزفت ميزانيات ضخمة تصل إلى مليارات الدولارات دون أن تتمكن من القضاء على الانقطاعات المستمرة التي يعاني منها المواطنون. وفي ظل تفاقم الأزمات المالية وضغوط الجماهير، لجأت الحكومات المت successive إلى خيار الخصخصة كحل يهدف إلى تحسين الكفاءة وجذب الاستثمار، لكن هذا الخيار خلق جدلاً متزايدًا حول العلاقة بين المواطن والدولة والسوق.
التوجه نحو خصخصة الكهرباء
بدأت محاولات خصخصة الكهرباء خلال فترة حكومة حيدر العبادي (2014-2018)، حيث تم توقيع عقود خاصة بتوزيع الكهرباء في مناطق ببغداد مثل المنصور والمأمون بهدف تحسين مستوى الخدمة وزيادة عدد ساعات التحميل. ومع ذلك، سرعان ما ظهرت مشاكل كبيرة، منها ارتفاع ملحوظ في فواتير الخدمة وضعف الالتزام بالشروط المتفق عليها، الأمر الذي أدى إلى تدهور ثقة المواطنين بالمستثمرين. وفي الوقت الذي تؤكد فيه الدراسات أن غياب الرقابة الحكومية وتفتيت الصلاحيات بين مختلف الجهات أثر سلبًا على المشروع، فإن النظريات الاقتصادية تشير إلى أن تعزيز مشاركة القطاع الخاص يمكن أن يؤدي إلى تحسين الكفاءة وتخفيض الهدر.
ومع ذلك، فإن الوضع القائم في العراق يبدو مختلفًا تمامًا، حيث تحولت بعض العقود إلى مجرد وسيلة لجباية الأموال دون تقديم الخدمة المرجوة، مما زاد من الاستياء الشعبي. في محافظة ديالى، أوقف رئيس مجلس المحافظة عمر الكروي عمل الشركة المسؤولة عن الخصخصة بمدينة بعقوبة بناءً على احتجاجات السكان على ارتفاع الفواتير، مشددًا على ضرورة أن تلتزم الشركة بشروط العقد المتمثلة في تحسين مستوى الخدمة وتوفير الدعم الفني.
وأكد الكروي أن قرار المجلس جاء لحماية المواطنين من الأعباء المالية الزائدة، وأشار إلى أن المجلس كان قد اتخذ قرارًا مسبقًا برفض خصخصة الكهرباء. وقد ظهرت ادعاءات تؤكد أن بعض الشركات المتعاقدة مرتبطة بشخصيات سياسية معروفة، مما أثار تساؤلات حول استقلالية القرار الاقتصادي وعلاقته بالمصالح السياسية. وبالتالي، يتطلع الخبراء إلى ضرورة إنشاء آليات لضمان الشفافية المالية وتحديد هوية الملاك النهائيين لتلك الشركات لتخفيف تأثير الفساد.
تشير الدراسات إلى أنه لا يمكن لعملية الخصخصة أن تنجح في العراق ما لم يتم تزويدها بإصلاحات تشريعية ورقابية تضمن الشفافية ومراقبة أداء الخدمة، إضافة إلى توفير دعم للفئات ذات الدخل المحدود. إن أزمة الكهرباء لا تتعلق فقط بالنقص الفعلي في الخدمة، بل تعكس أيضًا ضعف الثقة بين الحكومة والمواطنين. لذا، فإن الخصخصة في هذا السياق ينبغي أن تكون مصحوبة بإجراءات واضحة للتأكد من عدم تصادم المصالح وتحقيق العدالة.