الإيجابية السعودية: طموح تجاري بعيد عن السياسة… واختبارٌ لبناني

الإيجابية السعودية: طموح تجاري بعيد عن السياسة… واختبارٌ لبناني

تطورات سياسة المنطقة بعد اتفاق غزة

أحدث اتفاق غزة تحولًا هامًا في سياسة المنطقة. فقد كان له تأثير كبير على الوضع الإقليمي، ففضلاً عن وقف الأعمال الحربية، تمكنت الدول العربية بمساندة أميركية من استعادة السيطرة على الورقة الفلسطينية من يد النظام الإيراني، وعادت إلى دورها الطبيعي في الساحة السياسية. ويبقى السؤال حول كيف سينعكس هذا التطور على الوضع في لبنان، الذي لا تزال تداعيات حرب “الإسناد” تؤثر فيه، حيث تُعتبر غارات المصيلح دليلًا على ما يمكن أن يواجهه مستقبلاً.

تحولات القيادة العربية في المنطقة

أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب والدول العربية بقيادة السعودية مسارًا جديدًا وجادًا للسلام. ومع عودة القضية الفلسطينية إلى الحضن العربي، تضاءلت المخاوف من إمكانية استغلالها من قبل إيران، التي استمرت لأكثر من أربعين عامًا في التجارة بها. وبعد إنهاء ملف غزة، الذي يتسارع التقدم فيه، سيتوجه الاهتمام حتماً إلى لبنان. فالورقة التي أعدتها الحكومة في 5 و7 أغسطس الماضي تحتاج إلى متابعة فعالة، ولا يوجد دعم أميركي حقيقي للأداء الحالي، بل يُلاحظ تذمر بسبب البطء في التنفيذ.

تفتح السيناريوهات في لبنان جميع الاحتمالات. فقد يؤدي رفض “حزب الله” الاستجابة لمطلب سحب السلاح إلى ارتفاع فرص العودة إلى الحرب، مما قد يتسبب في وضع لبنان تحت نفس الضغوط التي مرت بها غزة قبل توقيع اتفاقيات الاستسلام. إن استمرار جزء من الدولة اللبنانية في مسايرة سياسات “الحزب” قد يعرّض البلاد بأكملها للخطر في حال اندلعت حرب جديدة. لذا، فإن الحل الأمثل هو اتخاذ الدولة إجراءات حاسمة ووقف المسايرة لـ “حزب الله” وبدء خطوات فعلية لجمع السلاح.

لا يبدو أن المواقف العربية تختلف عن الموقف الأميركي، حيث تعد الإيحاءات بشأن عودة العلاقات اللبنانية – العربية إلى طبيعتها محاولات غير مجدية. وعلى الرغم من أن القوة اللبنانية تحررت ظاهريًا من هيمنة “حزب الله” ولم تعد هناك هجمات مباشرة على المملكة السعودية ودول الخليج، إلا أن الحذر الخليجي تجاه لبنان يبقى موجودًا، خاصةً إذا استمر في ممارساته الموالية لـ “حزب الله”.

لم تصل الأمور بعد إلى مرحلة تشبه موقف الدول الخليجية تجاه الوضع الجديد في سوريا، فلا يوجد قرار خليجي بالدخول في عملية إعادة الإعمار كما حدث بعد حرب تموز 2006، ولا مساعدات أو استثمارات ضخمة، بل تهدف المساعدات الحالية لتلبية احتياجات محددة أو إنسانية لتفادي انهيار لبنان. وتجدر الإشارة إلى أن الخليج قرر عدم تقديم مساعدات طالما بقيت هناك أي أدوات مسلحة غير شرعية.

أما بشأن مؤتمر الرياض لدعم الجيش اللبناني، الذي سيُعقد الشهر المقبل، فلا تزال التحضيرات جارية، ويعتمد نجاحه على توافق سعودي – فرنسي – أميركي، بعيدًا عن السياسة. وفصل هذه الدول بين الملفين العسكري والسياسي يتيح استمرار المساعدات للجيش والشعب اللبناني حتى في ظل المقاطعة.

وعلى الرغم من توقف الملف الاقتصادي الكبير، تريد الرياض استئناف التبادل التجاري مع لبنان، بشرطين أساسيين: جودة المنتجات اللبنانية، والرقابة عليها، إضافة إلى القضاء على صناعة وتجارة الكبتاجون والمخدرات. وتشير المعلومات إلى أن زيارة المسؤولين اللبنانيين إلى الرياض أثمرت عن نتائج إيجابية، حيث لا ترغب المملكة في تحميل الشعب تبعات سياسات “حزب الله”. وبالتالي، من المأمول أن تفتح الأسواق السعودية أمام الصادرات اللبنانية تحت مراقبة دقيقة، إذا تمت معالجة هذه القضايا الأمنية.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *