الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل: بداية الاستقرار أم مجرد تسوية مؤقتة؟

الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل: بداية الاستقرار أم مجرد تسوية مؤقتة؟

الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل

يمثل الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل خطوة هامة تعزز الثقة بين الطرفين، ولكنه لا يغطي الحاجة إلى حوار سياسي شامل يعالج الأسباب الجوهرية للخلاف، ويضع إطارًا دستوريًا واضحًا لتقاسم الثروات. العراق بكافة مكوناته يحتاج إلى رؤية وطنية مُشتركة تجمع بين مصلحة المواطن وأساس لعلاقة متوازنة بين المركز والإقليم.

التفاهم النفطي

لطالما كان ملف النفط في العراق جذر الصراع السياسي بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، فالثروة النفطية التي تشكل أكثر من 90% من إيرادات البلد ليست مجرد مورد اقتصادي، بل أداة للنفوذ السياسي تلعب دورًا محوريًا في تحديد العلاقات بين المركز والأطراف المختلفة. تصاعدت حدة الخلافات مؤخرًا حول كيفية إدارة وتوزيع الموارد النفطية، خاصة بعد قيام الإقليم بتصدير النفط بشكل مستقل عبر تركيا، وهو ما اعتبرته بغداد انتهاكًا للدستور العراقي الذي ينص على أن النفط ملك لجميع العراقيين ووجوب إدارته بشكل اتحادي.

في إطار العلاقات المعقدة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وإقليم كردستان في أربيل، يمثل الاتفاق النفطي الأخير بين الطرفين نقطة في غاية الأهمية. جاء هذا الاتفاق بعد سنوات من التوتر حول إدارة الموارد النفطية وتوزيع الإيرادات، ليعيد ترتيب الأولويات ويضع أسس جديدة للتعاون، حتى لو كان ذلك بشكل مؤقت. منذ عام 2003، شهد ملف النفط صراعات متكررة، حيث سعى الإقليم إلى تصدير النفط بشكل مستقل، مستندًا إلى تفسيره الخاص للدستور، بينما تمسكت بغداد بحقها الحصري في إدارة الثروات.

الاتفاق الذي تم التوصل إليه منتصف عام 2025 جاء استجابة لضغوط داخلية وخارجية، أبرزها الأزمة المالية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط عالميًا. وبموجب هذا الاتفاق، وافق إقليم كردستان على تسليم جزء من إنتاجه النفطي إلى شركة “سومو”، مقابل التزام بغداد بدفع مستحقات مالية للإقليم تشمل رواتب الموظفين ونفقات التشغيل.

من الناحية السياسية، يُعتبر هذا الاتفاق محاولة لتهدئة الأوضاع بين الطرفين، خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية. كما يعكس رغبة مشتركة في تجنب التصعيد، بعد سنوات من التوترات التي وصلت إلى حد المواجهة العسكرية في بعض المناطق المتنازع عليها. ومن الناحية الاقتصادية، توفر هذه الخطوة فرصة لإعادة تنظيم سوق النفط العراقي وتعزيز سمعة البلاد أمام المستثمرين. ولكن، على الرغم من هذه النقاط الإيجابية، فإن الاتفاق ينطوي على بعض الثغرات، مثل غياب آلية واضحة لفض النزاعات المستقبلية وعدم تحديد مدة زمنية لتنفيذ البنود، مما يثير القلق من أن يكون هذا الاتفاق مجرد هدنة مؤقتة. بالإضافة إلى ذلك، تبقى الخلافات حول المناطق المتنازع عليها، ككركوك، تهديدًا دائمًا لإشعال التوترات مجددًا.

بالإجمال، يمثل الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل خطوة نحو بناء الثقة، إلا أنه لا يمكن أن يحل محل الحاجة إلى حوار سياسي شامل يعالج جذور الخلاف ويضع إطارًا دستوريًا لتقاسم الثروات. العراق بحاجة إلى رؤية وطنية مشتركة تضع مصلحة المواطن تحت الأولوية وتدعم علاقة قائمة على التعاون بين المركز والإقليم. المستقبل بين بغداد وأربيل لا يمكن أن يتأسس على اتفاقات مؤقتة، بل يتطلب حوارًا سياسيًا شاملًا يُعيد تعريف مفهوم الشراكة الوطنية ويضع أسسًا دستورية واضحة لتقاسم السلطة والثروة، مما يسهم في إنشاء عقد اجتماعي جديد ينهي منطق الصراع ويؤسس لتعاون دائم.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *