من المقاطعة العقائدية إلى الانتخابات المفاجئة: تحولات السياسة في العراق

من المقاطعة العقائدية إلى الانتخابات المفاجئة: تحولات السياسة في العراق

المشهد السياسي العراقي قبيل الانتخابات

تعيش الساحة السياسية في العراق أجواءً من الترقب قبل الانتخابات المقبلة، خصوصًا فيما يتعلق بمواقف القوى الشيعية، وأبرزها التيار الصدري الذي انسحب من البرلمان في عام 2022 وما زال يلوح بخيارات متنوعة بين المقاطعة وإعادة الانخراط في العملية الانتخابية. هذه الحالة ترتبط بشكل وثيق بالإطار الدستوري والقانوني للعملية الانتخابية، حيث تظل مقاعد البرلمان تحت سيطرة التحالفات الكبرى، ويعتبر التيار الصدري دائمًا لاعبًا رئيسيًا في تشكيل الحكومات خلال الدورات الانتخابية السابقة. وفقًا لتقييمات بحثية متخصصة، فإن الاجتماع الأخير في الحنانة أعاد فتح النقاش حول دور الصدريين في المعادلة، حيث يمثل علامة على أن السيد مقتدى الصدر لا يزال قادرًا على التأثير في خيارات أتباعه والنواب المستقيلين، مما يضعه في موقع يمكنه من إعادة خلط الأوراق.

الوضع الراهن للتيار الصدري

بينما يتحدث الباحث في الشؤون الاستراتيجية علي ناصر عن دلالات الاجتماع الذي عُقد في هذا التوقيت الحسّاس، يؤكد أن الاجتماع يعكس تمسك الصدر بأولئك الذين بقوا على نهجه ولم ينضموا إلى كتل أخرى، مما يشير إلى مدى التزام النواب المستقيلين بتوجيهاته. تعكس هذه القراءة أن التيار الصدري يسعى للحفاظ على تنظيمه الداخلي على الرغم من غيابه عن قبة البرلمان، مما يدل على أن المعارضة الصدرية ليست انسحابًا تامًا من الحياة السياسية بل هي إعادة تموضع. وتحلل تجارب قانونية أن الانضباط الداخلي الذي يتمتع به التيار يمنح الصدر ورقة ضغط إضافية ضد منافسيه، مما يشير إلى أن التيار لا يزال يمتلك قاعدة تنظيمية قوية يمكن استغلالها في الوقت المناسب.

علاوة على ذلك، فإن الاجتماع جاء ليعطي رسالة طمأنة للمقاطعين بأن التيار متمسك بموقف عدم المشاركة في الانتخابات، وذلك رداً على الشائعات التي زعمت احتمالية دعم الصدر لمرشح محدد. هكذا يتحول موقف المقاطعة إلى موقف مبدئي يُقدَّم على أنه يعكس مبادئ عقائدية تتجاوز المصالح السياسية المحددة. وقد أكد هذا الطرح أيضًا النائب المستقيل إياد المحمداوي، الذي وصف المقاطعة بأنها موقف عقائدي يعبر عن رفض للاستبداد والظلم. تشير الملاحظات الأكاديمية إلى أن هذا الخطاب يعيد صياغة صورة الصدريين كحركة إصلاحية أكثر من كونها حزبًا انتخابيًا، مما يضع منافسيها في مأزق للتعامل معها كقوة غائبة أو كقوة احتجاجية.

في سياق آخر، أشار عضو الإطار التنسيقي عدي عبد الهادي إلى أن التيار الصدري قد يفاجئ الجميع بخطوة غير متوقعة قبل الانتخابات. وأوضح أن القاعدة الشعبية الصدرية تمتد إلى عدة محافظات ككركوك والموصل وصلاح الدين وديالى وبابل، وأن اللقاءات بين زعيم التيار والمرجعية، بالإضافة إلى دعواته لأنصاره لتحديث بطاقاتهم الانتخابية، تعد مؤشرات على احتمال حدوث مفاجأة انتخابية. وبحسب تقديرات مؤسساتية، فإن أي عودة غير متوقعة للتيار للمشاركة في الانتخابات ستُحدث تغييرًا كبيرًا في التوازنات، خاصة في المناطق المختلطة حيث يكون للعوامل المكوناتي تأثير مضاعف. رغم أن بعض التحليلات القانونية تشير إلى أن هذه المفاجأة قد تواجه عقبات دستورية ورقابية، إلا أنها تبقى خيارًا قائمًا ضمن استراتيجية استخدام المفاجآت التي اعتاد عليها التيار في محطات سابقة.

بالمجمل، تمثل الوقائع والتحليلات أن اجتماع الحنانة لم يكن مجرد اجتماع تنظيمي بل كان رسالة سياسية متعددة الأبعاد. فقد رسخ التيار الصدري التزامه بالمقاطعة كخيار عقائدي، بينما ترك المجال مفتوحًا أمام احتمال الدخول المفاجئ في الانتخابات مما قد يحرج خصومه ويعيده إلى صدارة المشهد السياسي. وبحسب التكهنات السياسية الحديثة، فإن كلا السيناريوهين — الاستمرار في المقاطعة أو العودة المفاجئة — يعطيان الصدر مرونة استراتيجية، يمكن أن تؤثر في معادلة ما بعد الانتخابات سواء من موقع المعارضة أو من موقع قوة التمثيل. في كل الأحوال، يبقى التيار الصدري عنصرًا حيويًا لا يمكن تجاهله في أي حوار حول تشكيل السلطة المقبلة أو إعادة تعريف الآليات السياسية في العراق.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *